❞ كتاب نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني أول محاولة في العلوم الإنسانية؟ ❝  ⏤ محمد حسين هيكل

❞ كتاب نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني أول محاولة في العلوم الإنسانية؟ ❝ ⏤ محمد حسين هيكل

نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني أول محاولة في العلوم الإنسانية؟

تأليف : سمير أبو زيد

مقدمة :
الشيخ عبد القاهر الجرجاني، المتوفي عام 471هجريا، هو أحد أعلام الفكر العربي الإسلامي. وقد ذاع صيته بسبب تصنيفه مؤلفيه "دلائل الإعجاز" و"أسرار البلاغة" وطرحه لنظريته في النظم التي هي نظرية في اللغة. وقد اتخذ هذين المؤلفين مكانة مركزية في البلاغة العربية، واعتبر الشيخ عبد القاهر المؤسس الحقيقي لعلم المعاني وأول من قسم البلاغة إلى قسميها الأساسيين المعاني والبيان، قبل إضافة القسم الثالث، البديع.
ونتيجة لتطور علوم اللغة والنقد الأدبي في الغرب، أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين الميلاديين، واطلاع الفكر العربي على هذه العلوم، ظهر مرة أخرى الاهتمام بعملي الشيخ عبد القاهر. فقد ظهرت في الربع الأخير من القرن العشرين العديد من الأعمال لمتخصصي اللغة والنقد الأدبي العرب التي تعيد قراءة أعمال الشيخ من وجهة نظر معاصرة. ورأي العديد منهم أن الجانب الذي يخص النقد الأدبي في عمليه المذكورين يعد من زوايا عدة سابقا لعصره ومتفقا مع العديد من التصورات المعاصرة. كما رأي البعض الآخر أن أعماله تتضمن مبادئ في فلسفة اللغة لم تظهر إلا في أوائل القرن العشرين.
ليست قضيتنا في هذا البحث هي تقديم ادعاء جديد بسبق الأعمال العربية للفكر الغربي. ولكن قضيتنا هي القيام بمسئوليتنا نحو القراءة الصحيحة لتراثنا الفكري ووضعه في مكانه الصحيح في تاريخ الفكر. من هذه الزاوية يعد البحث في أعمال الشيخ عبد القاهر وفهمها على الوجه الصحيح، وهو ما نهدف إليه في بحثنا هذا، مشروعا. وفي هذا البحث نستكمل ما سبق أن بدأناه في أبحاثنا من محاولة لفهم أعمال الشيخ، ليس على مستوى البحث اللغوي أو البلاغي أو النقد الأدبي، أو حتى فلسفة اللغة، وإنما على مستوى المنهج.
وقد سبق أن عالجنا في عمل آخر المنهج الذي استخدمه الشيخ للتوصل إلى نظريته في النظم في سياق معالجته لقضية الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم . وأثبتنا أولا، أن معالجته لهذه القضية قدمت منهجا جديدا للتعامل مع القضايا الدينية – العقلية المشتركة. وثانيا أن استخدام هذا المنهج قد أدى إلى ظهور نظريته في النظم باعتبارها نظرية عقلية خالصة. وفي هذا العمل نبين أن هذه النظرية قد تضمنت الشروط اللازم تحققها في أي علم إنساني بالمعنى العام، وهو ما يؤدي إلى أن يكون طرح الشيخ عبد القاهر لنظريته في النظم أول تطبيق في العلوم الإنسانية بالمعنى المعاصر.

1.نشأة العلوم الإنسانية

انتقلت أوروبا من العصر الوسيط إلى العصر الحديث بشكل تدريجي، ويؤرخ لبدايات العصر الحديث عادة بالفترة ما بين منتصف القرنين الرابع والخامس عشر . وقد تميز هذا التحول بالظهور التدريجي لنظرة جديدة إلى العالم هي النظرة العلمية، وبسمة أساسية هي ظهور العلم بمعناه الحديث . واعتمد العلم الحديث على مفاهيم أساسية عبرت في مجموعها عن التحول في الفكر الإنساني من الاعتماد على التصورات العقلية إلى الاعتماد على حقائق الواقع. وعلى النظرة الموضوعية للعالم التي لا تتأثر بالتصورات الذاتية ولا بالتوجهات الدينية أو الأيديولوجية.
ونتيجة للنجاح المتواصل للتطبيقات العلمية في الطبيعة وظهور الاكتشافات المتوالية في كل المجالات بدءا من الفلك إلى الفيزياء ثم الكيمياء ثم البيولوجيا وحتى اكتشاف الذرة، وما تبع ذلك من اكتشافات تكنولوجية متوالية غيرت وجه العالم. نتيجة لذلك ظهرت التصورات التي تفيد بأن مفهوم قوانين الطبيعة ليس خاصا فقط بالطبيعة الجامدة والحية، وإنما هناك أيضا قوانين للإنسان وللمجتمعات الإنسانية . فظهرت أيضا المحاولات المتوالية لاستخدام المنهج العلمي في المجالات المرتبطة بالإنسان. فنشأت العلوم الإنسانية بالمعنى الحديث مثل علوم التاريخ، والنفس، والاجتماع، واللغة..الخ من علوم الإنسان.
ولأنه من المعلوم حاليا أن العلم العربي في مجالات عديدة كان متطورا بشكل كبير وأنه اعتمد، بالمعنى الحديث، على مفاهيم علمية أساسية، كما في علوم الفلك والكيمياء والبصريات والطب والتطبيقات التكنولوجية الميكانيكية. وأن العلم العربي قد انتقل إلى أوروبا عبر الأندلس وأنه مثل نقطة البدء لظهور العلم الأوروبي الحديث. لذلك يمكن القول بأن الأسس التجريبية للعلم الأوروبي الحديث تجد جذورها في العلم العربي، وأن المفاهيم الأساسية للعلم الحديث قد استكملت مع اكتمال ظهور الفكر الأوروبي الحديث .
وإذا كان من المسلم به بشكل كبير أن العلم بمعناه الحديث، فيما يخص العلوم الطبيعية، له جذوره التجريبية في العلم العربي، إلا أن الوضع ليس كذلك بالنسبة للعلوم الإنسانية.


فباستثناء ما يذكر عادة من أن نظرية العمران عند ابن خلدون تمثل أول محاولة في علم الاجتماع، وبالتالي أول محاولة في العلوم الإنسانية، باستثناء ذلك يذكر عادة أن العلوم الإنسانية هي ابتكار أوروبي خالص. خاصة وأن نظرية العمران في مقدمة ابن خلدون تصنف أحيانا على أنها تقع في مجال فلسفة التاريخ، وليس في علم الاجتماع .
والأسلوب العلمي، سواء في العلوم الطبيعية أو الإنسانية، يتسم بسمات أساسية هي التجريبية والسببية والاستقراء والكشف عن القوانين التي تحكم الطبيعة. في هذا الإطار العام تتميز العلوم الإنسانية عن العلوم الطبيعية بسمتين أساسيتين. أولا، أنها تتعامل مع وقائع أنشأها الإنسان، ثانيا، أنها تتسم بالشمول بالنسبة للإنسان بما هو إنسان. فالقانون الذي يحكم الظاهرة الاجتماعية، مثلا، لا يختلف من مجتمع لآخر ولا من حضارة لأخرى.
في حدود هذين الشرطين الأساسيين يمكن القول بأنه لم تظهر في تاريخ الإنسانية قبل بدايات القرن الثامن عشر الميلادي أية علوم تستوفي هذين الشرطين، باستثناء كما ذكرنا نظرية العمران عند ابن خلدون. وفيما يخص الحضارة الإسلامية القديمة ظهرت علوم عديدة تستوفي أحد هذين الشرطين، وهو شرط الاعتماد على الواقع الإنساني واستخدام الاستقراء لاكتشاف قوانين هذا الواقع. فقد ظهر علم أصول الفقه والذي موضوعه هو تطبيق المبادئ الدينية العامة على الواقع الإنساني، مما أدى إلى ظهور قواعد للمعاملات في المجتمع الإسلامي، هي بمثابة قوانين اجتماعية عامة .
ولكن علم أصول الفقه، والعلوم الإسلامية الأخرى التي استخدمت مفهوم الاستقراء، لم تستوف الشرط اللازم الثاني لظهور علم إنساني بالمعنى العام، وهو أن تطرح باعتبارها علما للإنسان بما هو إنسان. فكافة هذه العلوم هي علوم إسلامية تعتمد بشكل أساسي على تصورات الدين الإسلامي للإنسان وللمجتمع الإنساني. فالواقع، إذن، هو أنه من الصحيح أنه قد ظهرت في الحضارة الإسلامية علوم تجريبية طبيعية عديدة بالمعنى الحديث، إلا أنه لم تظهر علوم إنسانية بالمعنى الحديث تستوفي الشرطين المذكورين.
محمد حسين هيكل - محمد حسين هيكل(1305 هـ / 1888 - 1376 هـ / 1956م) شاعر وأديب وسياسي كبير مصري، ولد في 20 أغسطس 1888م الموافق 12 ذو الحجة 1305 هـ في قرية كفر غنام في مدينة المنصورة، محافظة الدقهلية، مصر.

❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ زينب ❝ ❞ اكتوبر 73 السلاح والسياسه ❝ ❞ نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني أول محاولة في العلوم الإنسانية؟ ❝ ❞ قصص مصرية ❝ ❞ عند مفترق الطرق - حرب أكتوبر ماذا حدث فيها وماذا حدث بعدها ❝ ❞ حياة محمد ❝ ❞ الفاروق عمر ❝ ❞ الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة ❝ ❞ في منزل الوحي ❝ الناشرين : ❞ دار المعارف ❝ ❞ دار تشكيل للنشر والتوزيع ❝ ❞ مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة ❝ ❞ المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ❝ ❞ دار زحمة كتاب للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار الهلال ❝ ❞ المجلس الأعلى للثقافة ❝ ❞ شركة المطبوعات للنشر والتوزيع ❝ ❞ مركز الاهرام للترجمة والنشر ❝ ❞ وكالة الصحافة العربية - ناشرون ❝ ❱
من كتب الأدب - مكتبة الكتب والموسوعات العامة.


اقتباسات من كتاب نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني أول محاولة في العلوم الإنسانية؟

نبذة عن الكتاب:
نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني أول محاولة في العلوم الإنسانية؟

نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني أول محاولة في العلوم الإنسانية؟

تأليف : سمير أبو زيد

مقدمة :
الشيخ عبد القاهر الجرجاني، المتوفي عام 471هجريا، هو أحد أعلام الفكر العربي الإسلامي. وقد ذاع صيته بسبب تصنيفه مؤلفيه "دلائل الإعجاز" و"أسرار البلاغة" وطرحه لنظريته في النظم التي هي نظرية في اللغة. وقد اتخذ هذين المؤلفين مكانة مركزية في البلاغة العربية، واعتبر الشيخ عبد القاهر المؤسس الحقيقي لعلم المعاني وأول من قسم البلاغة إلى قسميها الأساسيين المعاني والبيان، قبل إضافة القسم الثالث، البديع.
ونتيجة لتطور علوم اللغة والنقد الأدبي في الغرب، أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين الميلاديين، واطلاع الفكر العربي على هذه العلوم، ظهر مرة أخرى الاهتمام بعملي الشيخ عبد القاهر. فقد ظهرت في الربع الأخير من القرن العشرين العديد من الأعمال لمتخصصي اللغة والنقد الأدبي العرب التي تعيد قراءة أعمال الشيخ من وجهة نظر معاصرة. ورأي العديد منهم أن الجانب الذي يخص النقد الأدبي في عمليه المذكورين يعد من زوايا عدة سابقا لعصره ومتفقا مع العديد من التصورات المعاصرة. كما رأي البعض الآخر أن أعماله تتضمن مبادئ في فلسفة اللغة لم تظهر إلا في أوائل القرن العشرين.
ليست قضيتنا في هذا البحث هي تقديم ادعاء جديد بسبق الأعمال العربية للفكر الغربي. ولكن قضيتنا هي القيام بمسئوليتنا نحو القراءة الصحيحة لتراثنا الفكري ووضعه في مكانه الصحيح في تاريخ الفكر. من هذه الزاوية يعد البحث في أعمال الشيخ عبد القاهر وفهمها على الوجه الصحيح، وهو ما نهدف إليه في بحثنا هذا، مشروعا. وفي هذا البحث نستكمل ما سبق أن بدأناه في أبحاثنا من محاولة لفهم أعمال الشيخ، ليس على مستوى البحث اللغوي أو البلاغي أو النقد الأدبي، أو حتى فلسفة اللغة، وإنما على مستوى المنهج.
وقد سبق أن عالجنا في عمل آخر المنهج الذي استخدمه الشيخ للتوصل إلى نظريته في النظم في سياق معالجته لقضية الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم . وأثبتنا أولا، أن معالجته لهذه القضية قدمت منهجا جديدا للتعامل مع القضايا الدينية – العقلية المشتركة. وثانيا أن استخدام هذا المنهج قد أدى إلى ظهور نظريته في النظم باعتبارها نظرية عقلية خالصة. وفي هذا العمل نبين أن هذه النظرية قد تضمنت الشروط اللازم تحققها في أي علم إنساني بالمعنى العام، وهو ما يؤدي إلى أن يكون طرح الشيخ عبد القاهر لنظريته في النظم أول تطبيق في العلوم الإنسانية بالمعنى المعاصر.

1.نشأة العلوم الإنسانية

انتقلت أوروبا من العصر الوسيط إلى العصر الحديث بشكل تدريجي، ويؤرخ لبدايات العصر الحديث عادة بالفترة ما بين منتصف القرنين الرابع والخامس عشر . وقد تميز هذا التحول بالظهور التدريجي لنظرة جديدة إلى العالم هي النظرة العلمية، وبسمة أساسية هي ظهور العلم بمعناه الحديث . واعتمد العلم الحديث على مفاهيم أساسية عبرت في مجموعها عن التحول في الفكر الإنساني من الاعتماد على التصورات العقلية إلى الاعتماد على حقائق الواقع. وعلى النظرة الموضوعية للعالم التي لا تتأثر بالتصورات الذاتية ولا بالتوجهات الدينية أو الأيديولوجية.
ونتيجة للنجاح المتواصل للتطبيقات العلمية في الطبيعة وظهور الاكتشافات المتوالية في كل المجالات بدءا من الفلك إلى الفيزياء ثم الكيمياء ثم البيولوجيا وحتى اكتشاف الذرة، وما تبع ذلك من اكتشافات تكنولوجية متوالية غيرت وجه العالم. نتيجة لذلك ظهرت التصورات التي تفيد بأن مفهوم قوانين الطبيعة ليس خاصا فقط بالطبيعة الجامدة والحية، وإنما هناك أيضا قوانين للإنسان وللمجتمعات الإنسانية . فظهرت أيضا المحاولات المتوالية لاستخدام المنهج العلمي في المجالات المرتبطة بالإنسان. فنشأت العلوم الإنسانية بالمعنى الحديث مثل علوم التاريخ، والنفس، والاجتماع، واللغة..الخ من علوم الإنسان.
ولأنه من المعلوم حاليا أن العلم العربي في مجالات عديدة كان متطورا بشكل كبير وأنه اعتمد، بالمعنى الحديث، على مفاهيم علمية أساسية، كما في علوم الفلك والكيمياء والبصريات والطب والتطبيقات التكنولوجية الميكانيكية. وأن العلم العربي قد انتقل إلى أوروبا عبر الأندلس وأنه مثل نقطة البدء لظهور العلم الأوروبي الحديث. لذلك يمكن القول بأن الأسس التجريبية للعلم الأوروبي الحديث تجد جذورها في العلم العربي، وأن المفاهيم الأساسية للعلم الحديث قد استكملت مع اكتمال ظهور الفكر الأوروبي الحديث .
وإذا كان من المسلم به بشكل كبير أن العلم بمعناه الحديث، فيما يخص العلوم الطبيعية، له جذوره التجريبية في العلم العربي، إلا أن الوضع ليس كذلك بالنسبة للعلوم الإنسانية.


فباستثناء ما يذكر عادة من أن نظرية العمران عند ابن خلدون تمثل أول محاولة في علم الاجتماع، وبالتالي أول محاولة في العلوم الإنسانية، باستثناء ذلك يذكر عادة أن العلوم الإنسانية هي ابتكار أوروبي خالص. خاصة وأن نظرية العمران في مقدمة ابن خلدون تصنف أحيانا على أنها تقع في مجال فلسفة التاريخ، وليس في علم الاجتماع .
والأسلوب العلمي، سواء في العلوم الطبيعية أو الإنسانية، يتسم بسمات أساسية هي التجريبية والسببية والاستقراء والكشف عن القوانين التي تحكم الطبيعة. في هذا الإطار العام تتميز العلوم الإنسانية عن العلوم الطبيعية بسمتين أساسيتين. أولا، أنها تتعامل مع وقائع أنشأها الإنسان، ثانيا، أنها تتسم بالشمول بالنسبة للإنسان بما هو إنسان. فالقانون الذي يحكم الظاهرة الاجتماعية، مثلا، لا يختلف من مجتمع لآخر ولا من حضارة لأخرى.
في حدود هذين الشرطين الأساسيين يمكن القول بأنه لم تظهر في تاريخ الإنسانية قبل بدايات القرن الثامن عشر الميلادي أية علوم تستوفي هذين الشرطين، باستثناء كما ذكرنا نظرية العمران عند ابن خلدون. وفيما يخص الحضارة الإسلامية القديمة ظهرت علوم عديدة تستوفي أحد هذين الشرطين، وهو شرط الاعتماد على الواقع الإنساني واستخدام الاستقراء لاكتشاف قوانين هذا الواقع. فقد ظهر علم أصول الفقه والذي موضوعه هو تطبيق المبادئ الدينية العامة على الواقع الإنساني، مما أدى إلى ظهور قواعد للمعاملات في المجتمع الإسلامي، هي بمثابة قوانين اجتماعية عامة .
ولكن علم أصول الفقه، والعلوم الإسلامية الأخرى التي استخدمت مفهوم الاستقراء، لم تستوف الشرط اللازم الثاني لظهور علم إنساني بالمعنى العام، وهو أن تطرح باعتبارها علما للإنسان بما هو إنسان. فكافة هذه العلوم هي علوم إسلامية تعتمد بشكل أساسي على تصورات الدين الإسلامي للإنسان وللمجتمع الإنساني. فالواقع، إذن، هو أنه من الصحيح أنه قد ظهرت في الحضارة الإسلامية علوم تجريبية طبيعية عديدة بالمعنى الحديث، إلا أنه لم تظهر علوم إنسانية بالمعنى الحديث تستوفي الشرطين المذكورين.

.
المزيد..

تعليقات القرّاء:

 نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني أول محاولة في العلوم الإنسانية؟
سمير أبو زيد

 نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني أول محاولة في العلوم الإنسانية؟

تأليف : سمير أبو زيد

مقدمة :
الشيخ عبد القاهر الجرجاني، المتوفي عام 471هجريا، هو أحد أعلام الفكر العربي الإسلامي. وقد ذاع صيته بسبب تصنيفه مؤلفيه "دلائل الإعجاز" و"أسرار البلاغة" وطرحه لنظريته في النظم التي هي نظرية في اللغة. وقد اتخذ هذين المؤلفين مكانة مركزية في البلاغة العربية، واعتبر الشيخ عبد القاهر المؤسس الحقيقي لعلم المعاني وأول من قسم البلاغة إلى قسميها الأساسيين المعاني والبيان، قبل إضافة القسم الثالث، البديع.
ونتيجة لتطور علوم اللغة والنقد الأدبي في الغرب، أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين الميلاديين، واطلاع الفكر العربي على هذه العلوم، ظهر مرة أخرى الاهتمام بعملي الشيخ عبد القاهر. فقد ظهرت في الربع الأخير من القرن العشرين العديد من الأعمال لمتخصصي اللغة والنقد الأدبي العرب التي تعيد قراءة أعمال الشيخ من وجهة نظر معاصرة. ورأي العديد منهم أن الجانب الذي يخص النقد الأدبي في عمليه المذكورين يعد من زوايا عدة سابقا لعصره ومتفقا مع العديد من التصورات المعاصرة. كما رأي البعض الآخر أن أعماله تتضمن مبادئ في فلسفة اللغة لم تظهر إلا في أوائل القرن العشرين.
ليست قضيتنا في هذا البحث هي تقديم ادعاء جديد بسبق الأعمال العربية للفكر الغربي. ولكن قضيتنا هي القيام بمسئوليتنا نحو القراءة الصحيحة لتراثنا الفكري ووضعه في مكانه الصحيح في تاريخ الفكر. من هذه الزاوية يعد البحث في أعمال الشيخ عبد القاهر وفهمها على الوجه الصحيح، وهو ما نهدف إليه في بحثنا هذا، مشروعا. وفي هذا البحث نستكمل ما سبق أن بدأناه في أبحاثنا من محاولة لفهم أعمال الشيخ، ليس على مستوى البحث اللغوي أو البلاغي أو النقد الأدبي، أو حتى فلسفة اللغة، وإنما على مستوى المنهج. 
وقد سبق أن عالجنا في عمل آخر المنهج الذي استخدمه الشيخ للتوصل إلى نظريته في النظم في سياق معالجته لقضية الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم . وأثبتنا أولا، أن معالجته لهذه القضية قدمت منهجا جديدا للتعامل مع القضايا الدينية – العقلية المشتركة. وثانيا أن استخدام هذا المنهج قد أدى إلى ظهور نظريته في النظم باعتبارها نظرية عقلية خالصة. وفي هذا العمل نبين أن هذه النظرية قد تضمنت الشروط اللازم تحققها في أي علم إنساني بالمعنى العام، وهو ما يؤدي إلى أن يكون طرح الشيخ عبد القاهر لنظريته في النظم أول تطبيق في العلوم الإنسانية بالمعنى المعاصر.    

1.    نشأة العلوم الإنسانية

انتقلت أوروبا من العصر الوسيط إلى العصر الحديث بشكل تدريجي، ويؤرخ لبدايات العصر الحديث عادة بالفترة ما بين منتصف القرنين الرابع والخامس عشر . وقد تميز هذا التحول بالظهور التدريجي لنظرة جديدة إلى العالم هي النظرة العلمية، وبسمة أساسية هي ظهور العلم بمعناه الحديث . واعتمد العلم الحديث على مفاهيم أساسية عبرت في مجموعها عن التحول في الفكر الإنساني من الاعتماد على التصورات العقلية إلى الاعتماد على حقائق الواقع. وعلى النظرة الموضوعية للعالم التي لا تتأثر بالتصورات الذاتية ولا بالتوجهات الدينية أو الأيديولوجية.
ونتيجة للنجاح المتواصل للتطبيقات العلمية في الطبيعة وظهور الاكتشافات المتوالية في كل المجالات بدءا من الفلك إلى الفيزياء ثم الكيمياء ثم البيولوجيا وحتى اكتشاف الذرة، وما تبع ذلك من اكتشافات تكنولوجية متوالية غيرت وجه العالم. نتيجة لذلك ظهرت التصورات التي تفيد بأن مفهوم قوانين الطبيعة ليس خاصا فقط بالطبيعة الجامدة والحية، وإنما هناك أيضا قوانين للإنسان وللمجتمعات الإنسانية . فظهرت أيضا المحاولات المتوالية لاستخدام المنهج العلمي في المجالات المرتبطة بالإنسان. فنشأت العلوم الإنسانية بالمعنى الحديث مثل علوم التاريخ، والنفس، والاجتماع، واللغة..الخ من علوم الإنسان.
ولأنه من المعلوم حاليا أن العلم العربي في مجالات عديدة كان متطورا بشكل كبير وأنه اعتمد، بالمعنى الحديث، على مفاهيم علمية أساسية، كما في علوم الفلك والكيمياء والبصريات والطب والتطبيقات التكنولوجية الميكانيكية. وأن العلم العربي قد انتقل إلى أوروبا عبر الأندلس وأنه مثل نقطة البدء لظهور العلم الأوروبي الحديث. لذلك يمكن القول بأن الأسس التجريبية للعلم الأوروبي الحديث تجد جذورها في العلم العربي، وأن المفاهيم الأساسية للعلم الحديث قد استكملت مع اكتمال ظهور الفكر الأوروبي الحديث .
وإذا كان من المسلم به بشكل كبير أن العلم بمعناه الحديث، فيما يخص العلوم الطبيعية، له جذوره التجريبية في العلم العربي، إلا أن الوضع ليس كذلك بالنسبة للعلوم الإنسانية. 


فباستثناء ما يذكر عادة من أن نظرية العمران عند ابن خلدون تمثل أول محاولة في علم الاجتماع، وبالتالي أول محاولة في العلوم الإنسانية، باستثناء ذلك يذكر عادة أن العلوم الإنسانية هي ابتكار أوروبي خالص. خاصة وأن نظرية العمران في مقدمة ابن خلدون تصنف أحيانا على أنها تقع في مجال فلسفة التاريخ، وليس في علم الاجتماع .
 والأسلوب العلمي، سواء في العلوم الطبيعية أو الإنسانية، يتسم بسمات أساسية هي التجريبية والسببية والاستقراء والكشف عن القوانين التي تحكم الطبيعة. في هذا الإطار العام تتميز العلوم الإنسانية عن العلوم الطبيعية بسمتين أساسيتين. أولا، أنها تتعامل مع وقائع أنشأها الإنسان، ثانيا، أنها تتسم بالشمول بالنسبة للإنسان بما هو إنسان. فالقانون الذي يحكم الظاهرة الاجتماعية، مثلا، لا يختلف من مجتمع لآخر ولا من حضارة لأخرى. 
في حدود هذين الشرطين الأساسيين يمكن القول بأنه لم تظهر في تاريخ الإنسانية قبل بدايات القرن الثامن عشر الميلادي أية علوم تستوفي هذين الشرطين، باستثناء كما ذكرنا نظرية العمران عند ابن خلدون. وفيما يخص الحضارة الإسلامية القديمة ظهرت علوم عديدة تستوفي أحد هذين الشرطين، وهو شرط الاعتماد على الواقع الإنساني واستخدام الاستقراء لاكتشاف قوانين هذا الواقع. فقد ظهر علم أصول الفقه والذي موضوعه هو تطبيق المبادئ الدينية العامة على الواقع الإنساني، مما أدى إلى ظهور قواعد للمعاملات في المجتمع الإسلامي، هي بمثابة قوانين اجتماعية عامة .
ولكن علم أصول الفقه، والعلوم الإسلامية الأخرى التي استخدمت مفهوم الاستقراء، لم تستوف الشرط اللازم الثاني لظهور علم إنساني بالمعنى العام، وهو أن تطرح باعتبارها علما للإنسان بما هو إنسان. فكافة هذه العلوم هي علوم إسلامية تعتمد بشكل أساسي على تصورات الدين الإسلامي للإنسان وللمجتمع الإنساني. فالواقع، إذن، هو أنه من الصحيح أنه قد ظهرت في الحضارة الإسلامية علوم تجريبية طبيعية عديدة بالمعنى الحديث، إلا أنه لم تظهر علوم إنسانية بالمعنى الحديث تستوفي الشرطين المذكورين.
 


نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني أول محاولة في العلوم الإنسانية؟
بحث حول نظرية النظم

تحميل كتاب نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني pdf

اسس نظرية النظم عند الجرجاني

اهمية نظرية النظم

دلائل الاعجاز عبد القاهر الجرجاني pdf

تعريف نظرية النظم لغة واصطلاحا

مفهوم النظم عند عبد القاهر الجرجاني

نظرية النظم قبل عبد القاهر الجرجاني

الادب-الادباء- ادبية متنوعة- النقد الادبى- ادبي نقدى

 


 



حجم الكتاب عند التحميل : 312 كيلوبايت .
نوع الكتاب : ppt.
عداد القراءة: عدد قراءة نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني أول محاولة في العلوم الإنسانية؟

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني أول محاولة في العلوم الإنسانية؟
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pptقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات ppt
يمكن تحميلة من هنا 'http://www.microsoftstore.com/store/msmea/ar_EG/pdp/Office-365-Personal/productID.299498600'

المؤلف:
محمد حسين هيكل - Muhammad Husayn Haykal

كتب محمد حسين هيكل محمد حسين هيكل(1305 هـ / 1888 - 1376 هـ / 1956م) شاعر وأديب وسياسي كبير مصري، ولد في 20 أغسطس 1888م الموافق 12 ذو الحجة 1305 هـ في قرية كفر غنام في مدينة المنصورة، محافظة الدقهلية، مصر. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ زينب ❝ ❞ اكتوبر 73 السلاح والسياسه ❝ ❞ نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني أول محاولة في العلوم الإنسانية؟ ❝ ❞ قصص مصرية ❝ ❞ عند مفترق الطرق - حرب أكتوبر ماذا حدث فيها وماذا حدث بعدها ❝ ❞ حياة محمد ❝ ❞ الفاروق عمر ❝ ❞ الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة ❝ ❞ في منزل الوحي ❝ الناشرين : ❞ دار المعارف ❝ ❞ دار تشكيل للنشر والتوزيع ❝ ❞ مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة ❝ ❞ المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ❝ ❞ دار زحمة كتاب للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار الهلال ❝ ❞ المجلس الأعلى للثقافة ❝ ❞ شركة المطبوعات للنشر والتوزيع ❝ ❞ مركز الاهرام للترجمة والنشر ❝ ❞ وكالة الصحافة العربية - ناشرون ❝ ❱. المزيد..

كتب محمد حسين هيكل