❞ كتاب الاستعمار والإسلام ❝  ⏤ أنور الجندي

❞ كتاب الاستعمار والإسلام ❝ ⏤ أنور الجندي

الاستعمار والإسلام من الدعوة والدفاع عن الإسلام

عنوان الكتاب: الاستعمار والإسلام
المؤلف: أنور الجندي
الناشر: دار الأنصار

الاستعمار الأوروبي للعالم الإسلامي:
بالرغم من أن الأوروبيين قد فشلوا في حروبهم الصليبية ضد المسلمين، وباءت حملاتهم بالفشل الذريع، إلا أن اتصالهم بالمسلمين طول قرنين من الزمان - من نهاية القرن الحادي عشر إلى آخر القرن الثالث عشر الميلاد - قد أتاح لهم أن يتعرفوا على ما لديهم من كنوز وثروات، وأن يطلعوا على حضارتهم وثقافتهم التي أسهمت في نهضتهم الحديثة، وأتاح لهم أيضاً أن يدركوا أثر الإسلام في وحدة المسلمين وفي قوتهم الذاتية، ومن ثم فإنهم عادوا إلى بلادهم وهم يفكرون في العودة للثأر والانتقام من المسلمين والقضاء على الإسلام، وراح هذا الاستعمار يبني النهضة الحديثة أولاً في بلاده كي يحقق تقدماً علمياً يتيح له بناء قوة عسكرية، ومضى في طريق النهضة والتقدم العلمي وبناء جيش قوي مجهز بأحدث الأسلحة حتى إذا ما أحس بتقدمه وتفوقه في مجال القوة العسكرية عاد إلى الشرق لتحقيق أطماعه، والثأر من الإسلام والمسلمين.

وفي خلال قرنين ونصف أي منذ بداية القرن السابع عشر الميلاد إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، تمكن الاستعمار الغربي المسيحي من السيطرة سيطرة تامة على المسلمين في وسط آسيا وشرقيها، واتخذ له نقطة ارتكاز رئيسة في أفريقيا، كما تمكن من نفوذه إلى قلب العالم الإسلامي، وبذلك طوق العالم الإسلامي من الشرق والغرب، وسلط ألاعيبه ودسائسه على بقية المجتمعات الإسلامية الأخرى بين هذين الطرفين، فوهنت هذه التجمعات وانحل عقدها، وسقط بعضها إثر بعض تحت نفوذ المستعمر الغربي، وما جاءت الحرب العالمية الأولى وانقضى أجلها حتى أصبح العالم الإسلامي كله تحت نفوذ هذا المستعمر[1].

وهكذا وقع العالم الإسلامي فريسة للغزو النصراني الحاقد، ورغم محاولات الغزاة تصوير هذه الحروب على أنها حروب استعمارية بحتة تهدف إلى السيطرة الاقتصادية إلا أنها كانت حروباً دينية بالدرجة الأولى.

ويدل على ذلك ما قاله "اللورد اللنبي قائد الجيوش النصراني في الحرب العالمية الأولى حين دخل فلسطين سنة 1917": اليوم انتهت الحروب الصليبية، مما يعني أن استعمارهم لبلاد المسلمين امتداد لهذه الحروب التي سبق أن هزموا فيها، وأن محركهم الأول لهذا الاستعمار إنما كان الثأر والانتقام من المسلمين، بل إن "لويدجورج" وزير الخارجية البريطاني أطلق على الحرب العالمية الأولى اسم "الحرب الصليبية الثانية" كما أن "الجنرال غورو" بعد أن تغلب على جنود "ميسلون" عند دمشق توجه فوراً إلى قبر صلاح الدين - الذي أذلهم في الحروب الصليبية - وركله بقدمه قائلاً: "ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين"[2].

ومعنى ذلك أن العداوة بين الاستعمار والإسلام - كما يقول العقاد - عداوة تاريخية جغرافية نفسية، وتلك هي أصعب العداوات وأعمقها وأعصاها على التوفيق والنسيان[3]، وقد تتلخص العداوة بينهما في سطرين:
فالاستعمار الأوروبي يطمع في القارتين الآسيوية والأفريقية وفي هاتين القارتين يسكن المسلمون بمئات الملايين... ولو كان هؤلاء قوة سياسية فقط لهان خطبهم على الاستعمار بجميع أنواعه ولكنهم قوة روحية تندفع كالسيل إذا اندفعت، وتستقر كالصخر إذا سكنت، وتفارقها قدرتها على الغلبة والسيادة حيناً، فلا تفارقها قدرتها على الصمود والثبات.

وشاء القدر للإسلام أن يكون حارس الإنسانية والحرية في وجه الاستعمار، فلم يكن للاستعمار منذ نشأته طريق إلى الشرق إلا من خلال بلاد إسلامية[4].

ولذلك وصف الإسلام بأنه هو الجدار الوحيد ضد الاستعمار الأوروبي، بسبب حيويته البالغة، ودعوته إلى الجهاد، حيث نهض بالدور الأكبر في حشد جميع طاقات الأمة، حتى استطاعت اقتلاع الكيانات الاستيطانية الصليبية التي زرعها الغزاة الصليبيون في قلب وطننا العربي والإسلامي قرابة القرنين من الزمان.

ولقد تعلم الاستعمار من ذلك الحدث درساً نسيناه نحن المسلمين، فمنذ بدء الهجمة الاستعمارية الحديثة على بلاد المسلمين كانت عين كل دول الاستعمار على الإسلام تسعى لعزله، وتجريد الأمة منه كي لا تتسلح في مقاومة الغزوة الإمبريالية كما تسلحت به قديماً في صراعها ضد الصليبين[5].

ومن أجل ذلك تعاون المستعمرون في مختلف البلاد المستعمرة مع المنصرين والمستشرقين حيث اتفقوا فيما بينهم على إخراج المسلمين من الإسلام، وإذا لم يتيسر ذلك فيكفي تمييع علاقاتهم به، واستخفافهم بأحكامه، وهجرهم لقرآنه، واهتمامهم بمظاهره وأشكاله، فعلى سبيل المثال يقول اللورد كرومر أول معتمد بريطاني في مصر: "إن مهمة الرجل الأبيض الذي وضعته العناية الإلهية على رأس هذه البلاد (يقصد مصر) هو تثبيت دعائم الحاضرة المسيحية إلى أقصى حد ممكن بحيث تصبح هي أساس العلاقات بين الناس، ولكن كان من الواجب - منعاً من إثارة الشكوك - ألا يعمل على تنصير المسلمين، وأن يرعى من منصبه الرسمي المظاهر الزائفة للدين الإسلامي كالاحتفالات الدينية وما شابه ذلك"![6].

...........
أنور الجندي - أحمد أنور سيد أحمد الجندي (1917م – 2002م)، هو أديب ومفكّر إسلامي مصري. ولد "أنور الجندي" عام 1917 بقرية ديروط التابعة لمركز أسيوط بصعيد مصر، ويمتد نسبه لعائلة عريقة عُرفت بالعلم، فجده لوالدته كان قاضياً شرعياً يشتغل بتحقيق التراث، وكان والده مثقفاً يهتم بالثقافة الإسلامية، وكان "أنور" – الذي تسمى باسم "أنور باشا" القائد التركي الذي اشترك في حرب فلسطين والذي كان ذائع الشهرة حينئذ – قد حفظ القرآن الكريم كاملاً في كتاب القرية في سن مبكرة، ثم ألحقه والده بوظيفة في بنك مصر بعد أن أنهى دراسة التجارة بالمرحلة التعليمية المتوسطة، ثم واصل دراسته أثناء عمله، حيث التحق بالجامعة في الفترة المسائية ودرس الاقتصاد وإدارة الأعمال، إلى أن تخرج في الجامعة الأمريكية بعد أن أجاد اللغة الإنجليزية التي سعى لدراستها حتى يطلع على شبهات الغربيين التي تطعن في الإسلام.
❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ الموسوعة الإسلامية العربية (المجلد الأول: الإسلام والعالم المعاصر) ❝ ❞ تطور الصحافة العربية في مصر ❝ ❞ الصحافة والأقلام المسمومة ❝ ❞ حضارة الإسلام تشرق من جديد ❝ ❞ مقدمات العلوم والمناهج ❝ ❞ الاستعمار والإسلام ❝ ❞ محمد الرسول دراسة تحليلية لشخصية محمد وحياته ❝ ❞ أحاديث إلى الشباب المسلم ❝ ❞ عطاء الإسلام الحضاري ❝ الناشرين : ❞ دار المعارف ❝ ❞ مؤسسة الرسالة ❝ ❞ دار الكتاب العربي ❝ ❞ المكتب الإسلامي للطباعة والنشر ❝ ❞ دار المنارة للنشر والتوزيع ❝ ❞ مكتبة التراث الاسلامي ❝ ❞ دار الكتاب اللبناني ❝ ❞ دار الصحوة للنشر ❝ ❞ المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ❝ ❞ دار الاعتصام للطبع والنشر والتوزيع ❝ ❞ رابطة العالم الإسلامي ❝ ❞ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - إدارة الإفتاء ❝ ❞ دار الأنصار ❝ ❞ الدار القومية للطباعة والنشر ❝ ❞ مجمع البحوث الإسلامية ❝ ❞ مركز الإعلام العربي ❝ ❞ دار الإصلاح - الدمام ❝ ❞ مطبعة الرسالة ❝ ❞ مطبعة التوكل ❝ ❱
من الدعوة والدفاع عن الإسلام - مكتبة كتب إسلامية.

نبذة عن الكتاب:
الاستعمار والإسلام

الاستعمار والإسلام من الدعوة والدفاع عن الإسلام

عنوان الكتاب: الاستعمار والإسلام
المؤلف: أنور الجندي
الناشر: دار الأنصار

الاستعمار الأوروبي للعالم الإسلامي:
بالرغم من أن الأوروبيين قد فشلوا في حروبهم الصليبية ضد المسلمين، وباءت حملاتهم بالفشل الذريع، إلا أن اتصالهم بالمسلمين طول قرنين من الزمان - من نهاية القرن الحادي عشر إلى آخر القرن الثالث عشر الميلاد - قد أتاح لهم أن يتعرفوا على ما لديهم من كنوز وثروات، وأن يطلعوا على حضارتهم وثقافتهم التي أسهمت في نهضتهم الحديثة، وأتاح لهم أيضاً أن يدركوا أثر الإسلام في وحدة المسلمين وفي قوتهم الذاتية، ومن ثم فإنهم عادوا إلى بلادهم وهم يفكرون في العودة للثأر والانتقام من المسلمين والقضاء على الإسلام، وراح هذا الاستعمار يبني النهضة الحديثة أولاً في بلاده كي يحقق تقدماً علمياً يتيح له بناء قوة عسكرية، ومضى في طريق النهضة والتقدم العلمي وبناء جيش قوي مجهز بأحدث الأسلحة حتى إذا ما أحس بتقدمه وتفوقه في مجال القوة العسكرية عاد إلى الشرق لتحقيق أطماعه، والثأر من الإسلام والمسلمين.

وفي خلال قرنين ونصف أي منذ بداية القرن السابع عشر الميلاد إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، تمكن الاستعمار الغربي المسيحي من السيطرة سيطرة تامة على المسلمين في وسط آسيا وشرقيها، واتخذ له نقطة ارتكاز رئيسة في أفريقيا، كما تمكن من نفوذه إلى قلب العالم الإسلامي، وبذلك طوق العالم الإسلامي من الشرق والغرب، وسلط ألاعيبه ودسائسه على بقية المجتمعات الإسلامية الأخرى بين هذين الطرفين، فوهنت هذه التجمعات وانحل عقدها، وسقط بعضها إثر بعض تحت نفوذ المستعمر الغربي، وما جاءت الحرب العالمية الأولى وانقضى أجلها حتى أصبح العالم الإسلامي كله تحت نفوذ هذا المستعمر[1].

وهكذا وقع العالم الإسلامي فريسة للغزو النصراني الحاقد، ورغم محاولات الغزاة تصوير هذه الحروب على أنها حروب استعمارية بحتة تهدف إلى السيطرة الاقتصادية إلا أنها كانت حروباً دينية بالدرجة الأولى.

ويدل على ذلك ما قاله "اللورد اللنبي قائد الجيوش النصراني في الحرب العالمية الأولى حين دخل فلسطين سنة 1917": اليوم انتهت الحروب الصليبية، مما يعني أن استعمارهم لبلاد المسلمين امتداد لهذه الحروب التي سبق أن هزموا فيها، وأن محركهم الأول لهذا الاستعمار إنما كان الثأر والانتقام من المسلمين، بل إن "لويدجورج" وزير الخارجية البريطاني أطلق على الحرب العالمية الأولى اسم "الحرب الصليبية الثانية" كما أن "الجنرال غورو" بعد أن تغلب على جنود "ميسلون" عند دمشق توجه فوراً إلى قبر صلاح الدين - الذي أذلهم في الحروب الصليبية - وركله بقدمه قائلاً: "ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين"[2].

ومعنى ذلك أن العداوة بين الاستعمار والإسلام - كما يقول العقاد - عداوة تاريخية جغرافية نفسية، وتلك هي أصعب العداوات وأعمقها وأعصاها على التوفيق والنسيان[3]، وقد تتلخص العداوة بينهما في سطرين:
فالاستعمار الأوروبي يطمع في القارتين الآسيوية والأفريقية وفي هاتين القارتين يسكن المسلمون بمئات الملايين... ولو كان هؤلاء قوة سياسية فقط لهان خطبهم على الاستعمار بجميع أنواعه ولكنهم قوة روحية تندفع كالسيل إذا اندفعت، وتستقر كالصخر إذا سكنت، وتفارقها قدرتها على الغلبة والسيادة حيناً، فلا تفارقها قدرتها على الصمود والثبات.

وشاء القدر للإسلام أن يكون حارس الإنسانية والحرية في وجه الاستعمار، فلم يكن للاستعمار منذ نشأته طريق إلى الشرق إلا من خلال بلاد إسلامية[4].

ولذلك وصف الإسلام بأنه هو الجدار الوحيد ضد الاستعمار الأوروبي، بسبب حيويته البالغة، ودعوته إلى الجهاد، حيث نهض بالدور الأكبر في حشد جميع طاقات الأمة، حتى استطاعت اقتلاع الكيانات الاستيطانية الصليبية التي زرعها الغزاة الصليبيون في قلب وطننا العربي والإسلامي قرابة القرنين من الزمان.

ولقد تعلم الاستعمار من ذلك الحدث درساً نسيناه نحن المسلمين، فمنذ بدء الهجمة الاستعمارية الحديثة على بلاد المسلمين كانت عين كل دول الاستعمار على الإسلام تسعى لعزله، وتجريد الأمة منه كي لا تتسلح في مقاومة الغزوة الإمبريالية كما تسلحت به قديماً في صراعها ضد الصليبين[5].

ومن أجل ذلك تعاون المستعمرون في مختلف البلاد المستعمرة مع المنصرين والمستشرقين حيث اتفقوا فيما بينهم على إخراج المسلمين من الإسلام، وإذا لم يتيسر ذلك فيكفي تمييع علاقاتهم به، واستخفافهم بأحكامه، وهجرهم لقرآنه، واهتمامهم بمظاهره وأشكاله، فعلى سبيل المثال يقول اللورد كرومر أول معتمد بريطاني في مصر: "إن مهمة الرجل الأبيض الذي وضعته العناية الإلهية على رأس هذه البلاد (يقصد مصر) هو تثبيت دعائم الحاضرة المسيحية إلى أقصى حد ممكن بحيث تصبح هي أساس العلاقات بين الناس، ولكن كان من الواجب - منعاً من إثارة الشكوك - ألا يعمل على تنصير المسلمين، وأن يرعى من منصبه الرسمي المظاهر الزائفة للدين الإسلامي كالاحتفالات الدينية وما شابه ذلك"![6].

...........

.
المزيد..

تعليقات القرّاء:

الاستعمار والإسلام من الدعوة والدفاع عن الإسلام تحميل مباشر :
الكتاب


الاستعمار الأوروبي للعالم الإسلامي:
بالرغم من أن الأوروبيين قد فشلوا في حروبهم الصليبية ضد المسلمين، وباءت حملاتهم بالفشل الذريع، إلا أن اتصالهم بالمسلمين طول قرنين من الزمان - من نهاية القرن الحادي عشر إلى آخر القرن الثالث عشر الميلاد - قد أتاح لهم أن يتعرفوا على ما لديهم من كنوز وثروات، وأن يطلعوا على حضارتهم وثقافتهم التي أسهمت في نهضتهم الحديثة، وأتاح لهم أيضاً أن يدركوا أثر الإسلام في وحدة المسلمين وفي قوتهم الذاتية، ومن ثم فإنهم عادوا إلى بلادهم وهم يفكرون في العودة للثأر والانتقام من المسلمين والقضاء على الإسلام، وراح هذا الاستعمار يبني النهضة الحديثة أولاً في بلاده كي يحقق تقدماً علمياً يتيح له بناء قوة عسكرية، ومضى في طريق النهضة والتقدم العلمي وبناء جيش قوي مجهز بأحدث الأسلحة حتى إذا ما أحس بتقدمه وتفوقه في مجال القوة العسكرية عاد إلى الشرق لتحقيق أطماعه، والثأر من الإسلام والمسلمين.

وفي خلال قرنين ونصف أي منذ بداية القرن السابع عشر الميلاد إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، تمكن الاستعمار الغربي المسيحي من السيطرة سيطرة تامة على المسلمين في وسط آسيا وشرقيها، واتخذ له نقطة ارتكاز رئيسة في أفريقيا، كما تمكن من نفوذه إلى قلب العالم الإسلامي، وبذلك طوق العالم الإسلامي من الشرق والغرب، وسلط ألاعيبه ودسائسه على بقية المجتمعات الإسلامية الأخرى بين هذين الطرفين، فوهنت هذه التجمعات وانحل عقدها، وسقط بعضها إثر بعض تحت نفوذ المستعمر الغربي، وما جاءت الحرب العالمية الأولى وانقضى أجلها حتى أصبح العالم الإسلامي كله تحت نفوذ هذا المستعمر[1].

وهكذا وقع العالم الإسلامي فريسة للغزو النصراني الحاقد، ورغم محاولات الغزاة تصوير هذه الحروب على أنها حروب استعمارية بحتة تهدف إلى السيطرة الاقتصادية إلا أنها كانت حروباً دينية بالدرجة الأولى.

ويدل على ذلك ما قاله "اللورد اللنبي قائد الجيوش النصراني في الحرب العالمية الأولى حين دخل فلسطين سنة 1917": اليوم انتهت الحروب الصليبية، مما يعني أن استعمارهم لبلاد المسلمين امتداد لهذه الحروب التي سبق أن هزموا فيها، وأن محركهم الأول لهذا الاستعمار إنما كان الثأر والانتقام من المسلمين، بل إن "لويدجورج" وزير الخارجية البريطاني أطلق على الحرب العالمية الأولى اسم "الحرب الصليبية الثانية" كما أن "الجنرال غورو" بعد أن تغلب على جنود "ميسلون" عند دمشق توجه فوراً إلى قبر صلاح الدين - الذي أذلهم في الحروب الصليبية - وركله بقدمه قائلاً: "ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين"[2].

ومعنى ذلك أن العداوة بين الاستعمار والإسلام - كما يقول العقاد - عداوة تاريخية جغرافية نفسية، وتلك هي أصعب العداوات وأعمقها وأعصاها على التوفيق والنسيان[3]، وقد تتلخص العداوة بينهما في سطرين:
فالاستعمار الأوروبي يطمع في القارتين الآسيوية والأفريقية وفي هاتين القارتين يسكن المسلمون بمئات الملايين... ولو كان هؤلاء قوة سياسية فقط لهان خطبهم على الاستعمار بجميع أنواعه ولكنهم قوة روحية تندفع كالسيل إذا اندفعت، وتستقر كالصخر إذا سكنت، وتفارقها قدرتها على الغلبة والسيادة حيناً، فلا تفارقها قدرتها على الصمود والثبات.

وشاء القدر للإسلام أن يكون حارس الإنسانية والحرية في وجه الاستعمار، فلم يكن للاستعمار منذ نشأته طريق إلى الشرق إلا من خلال بلاد إسلامية[4].

ولذلك وصف الإسلام بأنه هو الجدار الوحيد ضد الاستعمار الأوروبي، بسبب حيويته البالغة، ودعوته إلى الجهاد، حيث نهض بالدور الأكبر في حشد جميع طاقات الأمة، حتى استطاعت اقتلاع الكيانات الاستيطانية الصليبية التي زرعها الغزاة الصليبيون في قلب وطننا العربي والإسلامي قرابة القرنين من الزمان.

ولقد تعلم الاستعمار من ذلك الحدث درساً نسيناه نحن المسلمين، فمنذ بدء الهجمة الاستعمارية الحديثة على بلاد المسلمين كانت عين كل دول الاستعمار على الإسلام تسعى لعزله، وتجريد الأمة منه كي لا تتسلح في مقاومة الغزوة الإمبريالية كما تسلحت به قديماً في صراعها ضد الصليبين[5].

ومن أجل ذلك تعاون المستعمرون في مختلف البلاد المستعمرة مع المنصرين والمستشرقين حيث اتفقوا فيما بينهم على إخراج المسلمين من الإسلام، وإذا لم يتيسر ذلك فيكفي تمييع علاقاتهم به، واستخفافهم بأحكامه، وهجرهم لقرآنه، واهتمامهم بمظاهره وأشكاله، فعلى سبيل المثال يقول اللورد كرومر أول معتمد بريطاني في مصر: "إن مهمة الرجل الأبيض الذي وضعته العناية الإلهية على رأس هذه البلاد (يقصد مصر) هو تثبيت دعائم الحاضرة المسيحية إلى أقصى حد ممكن بحيث تصبح هي أساس العلاقات بين الناس، ولكن كان من الواجب - منعاً من إثارة الشكوك - ألا يعمل على تنصير المسلمين، وأن يرعى من منصبه الرسمي المظاهر الزائفة للدين الإسلامي كالاحتفالات الدينية وما شابه ذلك"![6].

...........
الاستعمار والإسلام
مفهوم الاستعمار pdf
كتب عن الاستعمار pdf
تحميل كتاب استراتيجية الاستعمار والتحرير pdf
اثار الاستعمار على العالم الاسلامي
اثار الاستعمار الغربي في البلاد الاسلامية
كتاب استعمار افريقيا pdf
الاستعمار الاوروبي في الوطن العربي
بحث عن الاستعمار واشكاله ودوافعه
 



حجم الكتاب عند التحميل : 593.9 كيلوبايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة الاستعمار والإسلام

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل الاستعمار والإسلام
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
أنور الجندي - Anwar Elgendy

كتب أنور الجندي أحمد أنور سيد أحمد الجندي (1917م – 2002م)، هو أديب ومفكّر إسلامي مصري. ولد "أنور الجندي" عام 1917 بقرية ديروط التابعة لمركز أسيوط بصعيد مصر، ويمتد نسبه لعائلة عريقة عُرفت بالعلم، فجده لوالدته كان قاضياً شرعياً يشتغل بتحقيق التراث، وكان والده مثقفاً يهتم بالثقافة الإسلامية، وكان "أنور" – الذي تسمى باسم "أنور باشا" القائد التركي الذي اشترك في حرب فلسطين والذي كان ذائع الشهرة حينئذ – قد حفظ القرآن الكريم كاملاً في كتاب القرية في سن مبكرة، ثم ألحقه والده بوظيفة في بنك مصر بعد أن أنهى دراسة التجارة بالمرحلة التعليمية المتوسطة، ثم واصل دراسته أثناء عمله، حيث التحق بالجامعة في الفترة المسائية ودرس الاقتصاد وإدارة الأعمال، إلى أن تخرج في الجامعة الأمريكية بعد أن أجاد اللغة الإنجليزية التي سعى لدراستها حتى يطلع على شبهات الغربيين التي تطعن في الإسلام. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ الموسوعة الإسلامية العربية (المجلد الأول: الإسلام والعالم المعاصر) ❝ ❞ تطور الصحافة العربية في مصر ❝ ❞ الصحافة والأقلام المسمومة ❝ ❞ حضارة الإسلام تشرق من جديد ❝ ❞ مقدمات العلوم والمناهج ❝ ❞ الاستعمار والإسلام ❝ ❞ محمد الرسول دراسة تحليلية لشخصية محمد وحياته ❝ ❞ أحاديث إلى الشباب المسلم ❝ ❞ عطاء الإسلام الحضاري ❝ الناشرين : ❞ دار المعارف ❝ ❞ مؤسسة الرسالة ❝ ❞ دار الكتاب العربي ❝ ❞ المكتب الإسلامي للطباعة والنشر ❝ ❞ دار المنارة للنشر والتوزيع ❝ ❞ مكتبة التراث الاسلامي ❝ ❞ دار الكتاب اللبناني ❝ ❞ دار الصحوة للنشر ❝ ❞ المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ❝ ❞ دار الاعتصام للطبع والنشر والتوزيع ❝ ❞ رابطة العالم الإسلامي ❝ ❞ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - إدارة الإفتاء ❝ ❞ دار الأنصار ❝ ❞ الدار القومية للطباعة والنشر ❝ ❞ مجمع البحوث الإسلامية ❝ ❞ مركز الإعلام العربي ❝ ❞ دار الإصلاح - الدمام ❝ ❞ مطبعة الرسالة ❝ ❞ مطبعة التوكل ❝ ❱. المزيد..

كتب أنور الجندي
الناشر:
دار الأنصار
كتب دار الأنصار ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ حضارة الإسلام تشرق من جديد ❝ ❞ مقدمات العلوم والمناهج ❝ ❞ الاستعمار والإسلام ❝ ❞ يهود الدونمة ❝ ❞ الحضارة في مفهوم الإسلام ❝ ❞ تنقيح الأبحاث للملل الثلاث اليهودية -المسيحية -الإسلام ❝ ❞ المدخل لدراسة القرآن والسنة والعلوم الإسلامية ❝ ❞ حركة تحرير المرأة في ميزان الإسلام ❝ ❞ عمر الخيام وقصة الرباعيات في ضوء الإسلام ❝ ❞ أكذوبتان في تاريخ الأدب الحديث: أحمد لطفي السيد - طه حسين ❝ ومن أبرز المؤلفين : ❞ أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني ❝ ❞ أنور الجندي ❝ ❞ أنور الجندي ❝ ❞ محمد علي قطب ❝ ❞ محمد ضياء الدين الريس ❝ ❞ شعبان محمد إسماعيل ❝ ❞ انور الجندى ❝ ❞ سعد بن منصور بن كمونة اليهودي ❝ ❞ عبد اللطيف الجوهري ❝ ❞ الشيخ على بن محمد الباجي الشافعي ❝ ❞ الكاهن السامري أبو الحسن اسحق الصوري ❝ ❱.المزيد.. كتب دار الأنصار