❞ كتاب أبو رشيد النيسابوري وآراؤه الكلامية والفلسفية ❝ ⏤ سيد عبد الستار ميهوب

أبو رشيد النيسابوري و آراؤه الكلامية و الفلسفية : (الله ، العالم ، الإنسان) : دراسة في فكر آخر رواد مدرسة التنوير الاعتزالية

(النيسابوري)  ( نحو 440 هـ ـ نحو 1048 م) سعيد بن محمد بن حسن بن حاتم، أبو رشيد النيسابوري: من كبار المعتزلة. من أهل نيسابور. أخذ عن قاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد، وانتهت إليه الرياسة بعده. وكانت له حلقة في نيسابور. ثم انتقل إلى الري وتوفي بها. له تصانيف، منها (مسائل في الخلاف بين البصريين والبغداديين - ط) في ليدن، و (ديوان الاصول) و (إعجاز القرآن ) غير كامل، في الطائف .

أبو رشيد سعيد بن محمد النيسابوري
ترجمة المؤلف:
سعيد بن محمد بن حسن بن حاتم، أبو رشيد النيسابورىّ: من كبار المعتزلة. من أهل نيسابور.
أخذ عن قاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد، وانتهت إليه الرياسة بعده. وكانت له حلقة في نيسابور. ثم انتقل إلى الريّ وتوفي بها. له تصانيف، منها (مسائل في الخلاف بين البصريين والبغداديين – ط) في ليدن، و (ديوان الأصول) و (إعجاز القرآن – خ) غير كامل، في الطائف (2) .
– الأعلام للزركلي

هو سعيد بن محمد النيسابوري، من الطبقة الثانية عشرة من طبقات المعتزلة، استاذه القاضي عبد الجبار، وتلميذه ابو سعد السمان. كتبه: النقض على اصحاب الطبائع، زيادات الشرح، الجزء، التذكرة، المسائل في الخلاف بين البصريين والبغداديين، ديوان الاصول، مسائل الخلاف بين المعتزلة والمشبهة والمجبرة والخوارج والمرجئة. وقد فقدت معظم هذه الكتب، شأن معظم كتب المعتزلة، سوى كتابي المسائل في الخلاف وديوان الاصول.
لا استطيع هنا ذكر جميع مناحي فكره الفلسفي، ولكنني ساعرض بعض النقاط المركزية التي بحث فيها، كالاختلافات بين مدرستي بغداد والبصرة، وهو ما ناقشه في كتابه المسائل في الخلاف. 

من رجالات المعتزلة في البصرة: واصل بن عطاء،و عمرو بن عبيد،و ابو الهذيل العلاف،و ابراهيم بن سيار النظام،و الجبائيان: ابو علي وابو هاشم. من رجالات المعتزلة في بغداد:بشر بن المعتمر، وابو موسى المردار، والجعفران: ابن حرب وابن مبشر، والاسكافي. ابو منصور عبدالقاهر البغدادي هو عدو المعتزلة اللدود، وفي كتابه “الفرق بين الفرق” والذي يبين فيه انقسام الامة الى ثلاثة وسبعين فرقة وفضحهم والرد عليهم، ذهب الى القول بأن البغداديين يكفرون البصريين. بداية ان الشخصيات الاسلامية التي مهدت للفكر الاعتزالي بمفهومه الانساني هم: ابو ذر الغفاري، ومعبد الجهني، وغيلان الدمشقي. لكن كتب المعتزلة انفسهم تدلل لنا على وجود علاقة الاخذ والعطاء والتراحم بينهم، بل ان هناك اشتراكا في الاراء بين المدرستين المختلفتين في كثير من المسائل. وعلاوة على كتاب النيسابوري بان هناك شواهد ودلائل ليس بين البصريين والبغداديين فقط، بل بين اصحاب التيار الواحد، فدارسو علم الكلام يعلمون ان خلافا قد كان بين ابراهيم بن سيار النظام وشيخه العلاف، كما ان النظام قد خالفه الجاحظ تلميذه في كثير من المسائل، والاب والابن وهما الجبائيان قذ ذاع الخلاف بينهما.

 والقول بان الله تعالى يعرف وفق منهج الاضطرار راجع الى ابي الهذيل العلاف، وقد تابعه في ذلك الجاحظ، لكن هذا الرأي يظهر تهافته كل من القاضي عبدالجبار وابي رشيد، مستندين في ذلك الى مبادىء الوجوب العقلي الاكتسابية. لكن هذا الاختلاف لم يكن في الاصول، وهو فقط في الفروع. والاختلاف بين المدرستين ناتج عن الظروف السياسية. وقد كانت الخلافات في مشكلة الامامة وقضية التفضيل، وهي السبب الاول وراء ظهور مدرسة بشر بن المعتمر في بغداد بشكل اكثر استقلالا. ولقد كان الاعتزال في البصرة يميل الى النواحي النظرية اكثر من بحثه في النواحي العملية، على حين كان الاعتزال في بغداد متسما بالحركة السياسية الفاعلة، بسبب اقتراب رجال المعتزلة من المامون واحتوائه سياسيا، باقراره مبدأ افضلية البيت العلوي بالخلافة. كما يمكن اضافة خاصية اخرى لمدرسة بغداد وهي تعمقها في المسائل الفلسفية اكثر من مدرسة البصرة، بسبب حركة الترجمة في عهد الخلفاء العباسيين، ولذلك استفردوا في البحث في مواضيع معينة، كقول البغداديين ان في مقدور الله تعالى لطفا لو فعله بالكافر لآمن طواعية، فانكر ذلك البصريون، اذ انه سوف يؤدي الى القول بكون الله- حاشاه- ظالما او عاجزا. ومثل بحث معتزلة بغداد في مسألة خلق القران والجوهر والعرض وحدود الاشياء، وكذلك قول بشر بن المعتمر بالتوليد بصورة لم يقل بها البصريون من قبل.

شيئية المعدوم قضية من القضايا الهامة التي اتخذها خصوم المعتزلة وسيلة لاتهام المعتزلة بالقول بقدم العالم. ابو رشيد عرض دلالات على تشيىء المعدوم سعيا من جانبه وراء التنزيه المطلق لله تعالى عن مشابهة الحوادث التي يكون علمها متغيرا، بما يجد من حوادث وموجودات. بادىء ذي بدء، لا بد من تعريف الشيء، وتعريف المعدوم، وقد اعتمد قيام هذا الخلاف على الفهم الخاص لقوله تعالى “ليس كمثله شيء”، مما دفع بكل فريق الى تبني نظرية خاصة في العلاقة بين الموجود والمعلوم. ولذلك تواجدت ثلاث فرق، المشبهة :قالت معنى ان الله شيء معنى انه جسم، قائلون: معنى ان الله شيء انه موجود، المعتزلة: معنى ان الله شيء هو اثباته، فبراي الخياط والجبائي ان الاشياء اشياء قبل وجودها وانها مثبتة قبل وجودها، بان “القول شيء سمة لكل معلوم، ولكل ما امكن ذكره والاخبار عنه”. العدم عدمان: عدم محض، وعدم بمعنى غياب الوجود. والواجب: هو ما يمتنع عدمه. والممتنع: هو ما يجب عدمه. والممكن: هو ما لا يجب عدمه ولا وجوده. والمعتزلة قالوا بتشييء المعدوم، لان الشيء عندهم الموجود المتعين، وكذلك وفقا للتصور العقلي، فان كل التصورات العقلية معدومة وغير المتحققة الان: كيوم القيامة والحشر والميزان، كلها تعتبر شيئا وان لم تتحقق عينيا، فهي من حق المعلوم كما هي من حق الموجود.

“ونفهم من ذلك ان الممكن، وهو الذي لا يوجد ولا يعدم، قد جمع بين عدم الوجود وعدم العدم، وهو بذلك قد جمع بين النقيضين، مما يعني ان وجوده في الفكر الاعتزالي هو مجرد وجود تصوري، ليحل مشكلة علاقة الله تعالى وهو سبحانه القديم مع العالم المحدث، اذ لو تعلق علم الله تعالى بالحادث تعلق علمنا نحن به فلكان علمه تعالى متغيرا، والتغير نقص، ومعلوم ان النقص غير جائز على الله عز وجل، ولذلك تبقى فكرة ان المعدوم هو الشيء غير الموجود تقريرا في الخارج، بل هو الموجود تصورا في الذهن، تبقى هي الفكرة المثلى عند المعتزلة لحل اشكالية العلاقة المعرفية بين الله تعالى والعالم، والتي تمثل كذلك في اعتبار ان العالم كان له مستو من الوجود العدمي، حتى يكون هناك مخاطب يقال له كن فيكون. بهذا ينتفي عن المعتزلة الزامات الاشاعرة وهم خصومهم التقليديين، بان المعتزلة قالوا بالقدم، او على اقل تقدير قدم المادة الاولى، لانهم تصوروا في قول المعتزلة تقييدا للقدرة الالهية، وقصر القدرة على مجرد منح الوجود، وليس الايجاد من العدم.”
من كتاب: أبو رشيد النيسابوري وآراؤه الكلامية والفلسفية.